في حين يركّز العالم اهتمامه على الحرب على الإرهاب، تنزلق الحرب على الفقر إلى درجة أدنى على سلم الأولويات. فمنذ تفجير مركز التجارة العالمي قبل ثلاث سنوات، تبرز ثلاثة عناصر. العنصر الأول منها هو الصراع الذي يهدف إلى اجتثاث المسلحين؛ والعنصر الثاني هو الارتفاع السياسي لصوت المتطرفين الدينيين؛ أمّا العنصر الثالث فهو الفجوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء.
وباكستان هي دولة على الخط الأول في الحرب على الإرهاب، حيث تم على أراضيها اعتقال معظم الإرهابيين القياديين. ومن أولئك خالد شيخ، الذي وُصف ذات يوم بأنه المدير التنفيذي لتنظيم القاعدة والذي تم اعتقاله في منطقة روالبندي؛ ويتواصل اعتقال الزعماء الآخرين المهمين على نحو غير منتظم كل ستة أشهر، ومن بينهم أحمد خلفان الجيلاني وهو شخص تنزاني تم اعتقاله في مدينة كوجارات الباكستانية في الشهر الماضي.
ويشكل ذلك بمجمله خبراً ساراً وسيئاً في آن واحد بالنسبة إلى من يحكم في إسلام أباد. الجزء الإيجابي من الخبر هو أن الجنرال مشرّف بدأ في أداء دور الشرطي الصالح وكسب رضا واشنطن لكي يستمر حكمه. أمّا الجزء السيئ من الخبر فهو التعجب حيال السبب الذي جعل قيادات تنظيم القاعدة تجد أنه من الضروري أن تختبئ في أرض يحكمها "حليف رئيسي" لواشنطن في سياق الحرب على الإرهاب.
ومن المؤسف بالنسبة إلى باكستان أن عمليات الاغتيال والتفجير الانتحارية تتزايد في الداخل . فهناك أعداد كبيرة من الباكستانيين والكثير من الأجانب الذين قُتلوا كنتيجة لذلك. وهناك عدد كبير من أهم الزعماء السياسيين، بمن فيهم نائب في البرلمان من حزب الشعب الباكستاني، تعرّضوا لإطلاق النار في الشوارع، من منطقة روالبندي في الشمال وصولاً إلى كراتشي في الجنوب. ولم يتم القبض على أي واحد من منفذي هذه الاغتيالات. وبدلاً من ذلك تم تركيز الاهتمام على خمس محاولات اغتيال بارزة حدثت في شهر ديسمبر الماضي. وكان من بين تلك المحاولات هجومان استهدفا الجنرال برويز مشرف، وهجوماً استهدف قائد القوات في كراتشي، إضافة إلى هجوم رابع استهدف رئيس الوزراء المكلف السيّد شوكت عزيز ورئيس وزراء إقليم بلوشستان.
وعلى رغم أن حكومة إسلام أباد تعلن أن تلك كانت محاولات لاغتيال أهداف ذات قيمة سياسية عالية، يؤكّد نمط المحاولات ما هو خلاف ذلك. ففي أفضل الأحوال، كانت تلك محاولات لإثارة فزع الأهداف ذات القيمة السياسية العالية. وفي أسوأ الأحوال وإذا كان مقدراً أن يتم تصديق المتشائمين والمتشككين، فإن تلك عمليات تم تدبيرها من أجل الاستغلال الخارجي.
على سبيل المثال، قام منفذو التفجيرات الانتحارية في كل واحدة من تلك الهجمات باستخدام متفجرات منخفضة الشدة. وعلى رغم أن السيارات أصيبت أو كادت تصاب، فإن الإصابات الناتجة (من قتلى وجرحى) كانت ذات قيمة شخصية ووطنية ولم تكن ذات قيمة سياسية. وكان من بين تلك الإصابات أشخاص أبرياء يرافقون الأهداف ذات القيمة السياسية العالية. أمّا الأهداف عالية القيمة، بمن فيها الجنرال مشرّف وقائد القوات في كراتشي ورئيس الوزراء المكلف ورئيس وزراء إقليم بلوشستان، فلم يُصَب أي منها بخدش. وعلى رغم أن هناك ترحيباً بنجاة هؤلاء من تلك الهجمات، فإن المسألة الأكبر تحتاج إلى حل: فهل كانت غاية المهاجمين هي قتل الأهداف ذات القيمة العالية أم تخويفها فقط، أم أن هناك شيئاً غير ذلك؟
أمّا التطور الثاني والمهم منذ وقوع الهجوم على بُرجَي مركز التجارة العالمي فهو صعود الهوامش الدينية. ويبدو أن هناك في العالمين الإسلامي وغير الإسلامي جماعات تعتقد أن هناك حاجة إلى حدوث تصادم بين الحضارات لأسباب دينية. فالأصوليون المسيحيون يؤمنون بأن السّيد المسيح سوف يُبعث إلى الحياة مرة أخرى عندما يستقر أتباع الديانة اليهودية من جديد على ضفاف نهر الفرات. ويؤمن الأصوليون المسلمون بأن المهدي سيصل عندما يحمى وطيس المعركة بين المسلمين وغير المسلمين. ويشكّل هذا سيناريو سياسياً يهدد بتفكيك النسيج الاجتماعي الذي تم بناؤه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد استند هذا النسيج على التسامح، وهو ما يعني التسامح بين مختلف الأديان والأعراق والثقافات وما بين الجنسين. ومن الممكن للتصادم بين الحضارات أن يؤدّي إلى معركة هرمجدون (المعركة الفاصلة الكبرى) التي لن يكون فيها رابحون على وجه الأرض. غير أن المتطرفين الدينيين لا يبحثون عن رابحين على وجه الأرض. ويتمثل التحدي الذي يواجه المجتمع الدولي بالتأكيد على قيم التسامح والاعتدال والتفاهم بين الأديان، وهو ما تستند إليه أعمدة عالم أقل عنفاً.
وعلى رغم أن الاهتمام متركّز على الإرهاب والحركات المسلّحة، تمّ وضع مسائل تخفيف حدة الفقر على مرتبة أدنى على سلم الأولويات. فاليوم، يبدو أن الشركات الكبرى هي التي تحتل مقعد القيادة. وهناك تقرير نُشر في وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة ويزعم أنه "قبل عشرين سنة، كان كبار المديرين التنفيذيين يكسبون كمعدل وسطي 40 ضعف ما يكسبه العامل العادي في ال